غور الصافي نهاية السنة: توليد العنف وإنتاجه
د. مهند مبيضين/ صحيفة الغد
أوقفت سلطة وادي الأردن أعمال الزراعة في مساحة من الأراضي التابعة لها، والتي قام مواطنون بزراعتها في منطقة غور الصافي. الأرض كما صورها الإعلام كانت غير مستصلحة، والمكان الذي هو غور الصافي لا نشاط يمارسه الناس فيه غير الزراعة؛ فلا مدن اقتصادية، ولا أبراج، ولا بنوك. والناس هناك حياتهم أقرب للملح منها لأي شيء آخر. هناك يموتون، وهناك حكاياتهم وفقرهم، وهناك يرون الفائض القليل من تعب يوم عنوان سعادة لأسبوع بكامله.
قبل عام، وفي نهاية 2009، قامت السلطة بهدم منازل بناها الناس على أراض في غور الصافي بحجة أنها أراض زراعية. وكانت الحجة مقبولة إذا ما غُلفت بنيّة الحفاظ على الأراضي الزراعية التي استصلحها الناس وزرعوها مدة طويلة وعلى مرأى الجميع.
الخميس الماضي كان أهالي غور الصافي على موعد مع الجرافات وممارسة للقانون تظهر وكأن الناس هناك محتلون. ولم يشفع لهم فقرهم ولا عوزهم أمام قسوة جرافات السلطة، هذا إلى جانب نصيب موفور من الفظاظة يمارسها موظفون من السلطة مع الناس باعتبار أن هؤلاء الموظفين حماة الدولة وممتلكاتها، التي يهددها خطر زراعة الأرض من قبل أهل غور الصافي.
بالتأكيد ثمة مهلة أعطيت للناس هناك، وثمة تحذير من الإقدام على زراعة الأرض من دون اطر قانونية، لكن الذي يجعل المرء يرى تصرف موظفي السلطة عنفا مبالغا به، ضد أناس ذنبهم أنهم زرعوا ارضا حكومية كي لا يستجدوا ويكونوا عالة على صندوق التنمية، هو بساطة الذنب وإمكانية معالجته بأساليب أفضل، بحيث لا تنمو روح الكراهية عند الناس تجاه المسؤول، وكي لا نطلب بعد ذلك من مراكز الدراسات أن تقدم لنا تفسيرات لأسباب العنف المجتمعي.
مزارعو غور الصافي منعوا من سحب تمديداتهم البلاستيكية التي تكلف مئات الدنانير، والله اعلم بالطريقة التي وفروا بها ثمنها، وكل ذلك كي تطهر المنطقة من أي نشاط بشري لأهل غور الصافي، الذين من حقهم عكس السؤال بالقول: لماذا يعتدي تجار كبار على حقوق كل الأردنيين في مياه وأراضي الجنوب، ولا يلقى المعتدون هناك المصير ذاته؟ لماذا قانون السلطة على أهالي غور الصافي غير قانون الدولة على متنفذين كبار؟
الحديث عن غور الصافي يفتح السؤال عن معادلة التنمية، فأين هي المشاريع الكبرى هناك كي لا يعتدي هؤلاء على أراضي غور الصافي؟، ولمن منحت الوحدات والحيازات الكبرى؟ وهل لهم نصيب في أي عملية توزيع للأراضي؟ وهل القوى المحلية هناك أفضل من القوى الوافدة التي تنظم عمليات الزراعة وتشارك المالكين بالربح؟ لماذا لم تتطور نشاطات الناس المحليين الزراعية من أهل غور الصافي، بحيث يخدمون المالكين الكبار ويكونون مستثمرين ووسطاء صغارا، كي لا يكونوا عالة أو خائفين من تصرفات السلطة معهم؟ لماذا يغامر الناس هناك بالتطاول على أراضي السلطة؟ أليس من الأفضل الدخول بعلاقة إنتاجية تشاركية مع كبار الملاك؟
مع ذلك هناك خطأ على سلطة وادي الأردن في تصرفها الذي لا يمكن إلا أن تكون نتائجه معكوسة ومولدة للعنف، وهناك ضعف وعدم وعي لدى الناس أيضا في إمكانية تنظيم قدراتهم وقواهم المنتجة
* رابط المقال
http://www.alghad.com/?article=20021